ويمبلدون- قصة عراقة، تقاليد، وأناقة في عالم كرة المضرب

المؤلف: القاهرة ـ أحمد مختار10.30.2025
ويمبلدون- قصة عراقة، تقاليد، وأناقة في عالم كرة المضرب

تتربع بطولة ويمبلدون المهيبة، التي ينتظر عشاق كرة المضرب بشغف نهائيها المرتقب بين الإسباني كارلوس ألكاراس، المصنف الثاني عالميًا، والإيطالي المتألق يانيك سينر، المصنف الأول، يوم الأحد، على قمة هرم رياضات الكرة الصفراء، باعتبارها البطولة الأقدم والأكثر عراقة في تاريخ اللعبة، وذلك منذ انطلاقتها التاريخية في عام 1877 في قلب نادي عموم إنجلترا للتنس والكروكية، الكائن في منطقة ويمبلدون الفاتنة بالعاصمة البريطانية لندن.
على امتداد أسبوعين كاملين، بدءًا من أواخر شهر يونيو وحتى منتصف شهر يوليو من كل عام، تتحول تلك الرقعة المخضرة الساحرة إلى مسرح عالمي ضخم، يجتذب إليه جموعًا غفيرة من محبي وعشاق اللعبة من مختلف أنحاء العالم، ليشهدوا بأنفسهم هذه الاحتفالية الرياضية الفريدة التي لا تضاهيها أي بطولة أخرى.
ومن بين بطولات الجراند سلام الأربع الكبرى، لا تزال ويمبلدون هي البطولة الوحيدة التي تحتضن ملاعبها العشبية الخضراء الغنّاء، والتي منحتها عن جدارة واستحقاق لقب "التنس على العشب".
فبينما تقام بطولتا أمريكا وأستراليا المفتوحتين على الملاعب الصلبة ذات الأرضية الإسمنتية، وتُجرى بطولة رولان جاروس الشهيرة على الملاعب الترابية ذات اللون الأحمر، يبقى العشب الأخضر النضر في ويمبلدون رمزًا أصيلًا للأناقة والرقي والتاريخ العريق الذي تتمتع به هذه البطولة.
تجدر الإشارة إلى أن نادي عموم إنجلترا قد تأسس في عام 1868، ومع إضافة رياضة التنس إلى قائمة الأنشطة التي يمارسها في عام 1876، كانت ولادة بطولة ويمبلدون بعد عام واحد فقط، مدفوعةً بالشغف المتزايد الذي كانت تبديه مدينة لندن تجاه هذه الرياضة الممتعة.
في عام 1877، تم تتويج اللاعب سبنسر جور بلقب البطولة الأولى في التاريخ، وذلك بعد مباراة تاريخية حافلة بالإثارة والندية ضد اللاعب ويليام مارشال، حيث حصل على جائزة "كأس التحدي الفضي" القيمة، التي تبرعت بها مجلة "ذا فيلد" الرياضية المرموقة، والتي كانت تقدر قيمتها آنذاك بمبلغ 25 جنيهًا إسترلينيًا.
وما زال هذا التقليد العريق قائمًا حتى يومنا هذا، حيث يتم تكريم أبطال فردي الرجال ومنحهم كأسًا فضية فاخرة، بينما يتم تتويج بطلات السيدات بـ " طبق فينوس روز ووتر" الأنيق، والذي تم استحداثه في عام 1886، ليصبح رمزًا احتفاليًا مميزًا يتجول مع الفائزة وسط تصفيق حار من الجماهير الغفيرة.
إن بطولة ويمبلدون ليست مجرد منافسة رياضية عادية، بل هي تجربة ثقافية متكاملة، ومن أبرز تقاليدها الراسخة إلزام جميع اللاعبين واللاعبات بارتداء الزي الأبيض الناصع، وهو تقليد قديم يعود إلى القرن التاسع عشر.
ففي تلك الحقبة الزمنية، كان اللون الأبيض يعتبر رمزًا للطبقة الوسطى الراقية في بريطانيا، حيث كان يُستخدم لإخفاء بقع العرق التي كانت تعتبر غير لائقة ومنافية للذوق العام.
ومع إقامة البطولة في فصل الصيف، أصبح اللون الأبيض خيارًا عمليًا ومناسبًا لتجنب حرارة الشمس الحارقة، ليتحول مع مرور الوقت إلى الزي الرسمي الذي يميز بطولة ويمبلدون عن غيرها من البطولات الأخرى، ويضفي عليها طابعًا فريدًا من النقاء والرقي والأناقة.
ولا يمكن أن تكتمل تجربة ويمبلدون الممتعة دون تذوق طبق الفراولة الشهي بالكريمة الطازجة، الذي يعتبر وجبة أيقونية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالبطولة منذ انطلاقتها الأولى.
ويرجع أصل هذا التقليد اللذيذ إلى الكاردينال توماس وولسي، حيث تزامن مع موسم حصاد الفراولة في إنجلترا، مما جعله الرفيق المثالي لأجواء الصيف المبهجة.
وعلى مدار أسبوعين كاملين، يتلذذ الجمهور الكريم بنحو 28 ألف كيلوجرام من الفراولة الطازجة المغطاة بـ 7 آلاف لتر من الكريمة الغنية، في مشهد يعكس روح الضيافة البريطانية الأصيلة والكرم المتناهي.
وعلى النقيض من البطولات الأخرى، تتميز ويمبلدون بقلة الإعلانات التجارية الصارخة، مما يساهم في الحفاظ على جمالية ملاعبها الخضراء الغنّاء. والشراكة مع علامات تجارية مرموقة، مثل "روليكس"، التي تعتبر الساعة الرسمية للبطولة، تعكس قيم العراقة والدقة والتميز التي تتسم بها ويمبلدون.
وتحرص إدارة ويمبلدون على اختيار رعاتها بعناية فائقة، مثل "باركليز" و"آي بي إم"، وذلك بهدف الحفاظ على طابعها الراقي والمتميز، بعيدًا عن الإعلانات المبهرجة والملفتة، ومنح المتفرجين تجربة بصرية نقية وممتعة لا تشوبها شائبة.
وختامًا، يمكن القول بكل ثقة إن بطولة ويمبلدون ليست مجرد بطولة رياضية، بل هي احتفالية حقيقية بالتاريخ والأناقة والتقاليد العريقة، حيث يلتقي العشب الأخضر النضر بالكرة البيضاء الناصعة، والفراولة الشهية بالكريمة الطازجة، ليخلقوا معًا لوحة رياضية خالدة تبقى محفورة في الذاكرة إلى الأبد.


سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة